قصة نجاح احد طلاب ج ق م

كنز لا يفنى
استيقظت ذات صباح على وقع رنين الهاتف------إبنتي تطلب مني الذهاب الى الجامعة----فهذا أول أيام الدوام في الفصل الدراسي الثاني لعام 2011-2012. أسرعت في ارتداء ملابسي ----خرجت مسرعا----دخلت مبنى الفرع ----- ومن شدة سرعتي وتلهفي اصطدمت بدكتور يحمل أوراقا، هو مشرفي كما علمت---- رفعت رأسي لكي أعتذر---- إلا أنه وبكل لطف بادرني بالسؤال --- "زميل أم طالب؟"--- أحسست أن الزمن تجمد للحظات --- فأستاذي هذا هو زميل حقبة مدرسية----- كنا نذهب إلى مدارس القدس معا ---- رغم اختلافها ----- جرى الدم في عروقي  ودارت عيناي--- وبلسان مثقل قلت: " لا بل طالب". ابتسم مشرفي ابتسامة تنم عن دماثة خلق وقال " أهلا وسهلا بك في جامعتك ، إذا احتجت إلى مساعدة فالكل هنا من أجلك " .
 هكذا بدأ الستيني خليل علان برواية قصة انقطاعة عن الدراسة ثم العودة لها فقال" كنت طالبا متفوقا في المدرسة ، انهيت امتحانات الثانوية العامة عام 1970 وحصلت على معدل يؤهلني لدراسة المحاماه ، سافرت الى تركيا والتحقت بإحدى جامعاتها ، ومع كل يوم كنت اقضية بدراسة القانون، كان يقترب حلمي من التحقق، فكم تخيلت نفسي مرتديا عباءة العدالة، أقف في أروقة المحاكم مدافعا عن قضية شعب ظلم.  إلى أن تم اغتيال  القنصل الاسرائيلي في المدينة التي كنت أدرس فيها، ورحّلت على إثرها إلى فلسطين.  ولم يزدني ذلك إلا عزما وإصرارا، فقررت الانتساب إلى جامعة بيروت العربية، وبالفعل أكملت عددا من الفصول الدراسية بتفوق، إلا أن يد الاحتلال اغتالت وللمرة الثانية أحلامي، تم اعتقالي على خلفية النشاطات السياسية ، وبعدها منعت من السفر لمدة خمس سنوات" .
أطرق خليل رأسه، وكأن شريط الذكريات يمر أمامه، وكأن جرح الأمس ما زال  ينزف، ثم تنفس بعمق وأكمل سرد قصته "  انشغلت خلال تلك السنوات  بعملي ورعاية أولادي  رافضا نسيان حلمي الذي عقدت العزم على تحقيقة، فخمس سنوات تمضي وأعود بعدها لإنهاء ما بدأت.  ولكن القدر عاجلني وأبى إلا ان يختبر صبري مرة أخرى، وفجأه ودون سابق إنذار فقدت زوجتي حاسة البصر، حينها فقط أعلنت استسلامي وطويت  حلمي، فأولادي الصغار وزوجتي هم أولى أولوياتي، الى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.  انغمست بمسؤلياتي الجسيمة، التي توجّت بتخرج معظم أبنائي من الجامعات، فأحدهم الآن طبيب جراح، والآخر اخصائي تقويم فك وزراعة أسنان والثالث على مشارف إنهاء دراسته الجامعية، أما ابنتي الوحيدة "أميمة" فقد تخرجت من جامعة القدس المفتوحة، وهي – وفقها الله- التي لها الدور الأكبر في تعريفي بأنظمة جامعة القدس المفتوحة وكيف أنها جاءت لتخدم هذه الفئة من الشعب، هؤلاء الذين تنازلوا عن مقاعد الدراسة الجامعية في بداية حياتهم ليحّملوا هموما فرضها عليهم واقعهم الفلسطيني".
أنهى خليل حديثة وقد اغرورقت عيناه بدموع هي أقرب ما تكون الى دموع شكر لله على هذه الفرصة التي أتاحتها له الجامعة، في اكمال دراسته، فنظام الجامعه المفتوحة الذي يكفل فرص التعلم لأفراد المجتمع من خلال توسيع فرص القبول على المستوى الوطني واعتمادها ديمقراطية التعليم المرن الذي يسمح بالالتحاق بها دون التقيد بعمر،حيث كل من له طاقه يرحب به في رحابها، كما ان فلسفتها التي تجمع بين الفكرة القائمة على التعلم الذاتي والتطبيق العملي الحديث الذي يعتمد التعلم الالكتروني، تسهل عملية التفاعل الايجابي مع المعلم وتعزز من الإحساس بالمساواة، بإتاحتها الفرصة  لكل طالب بالإدلاء برأيه في أي وقت ودون حرج[1]    .مضيفا أن نظام التعليم مدى الحياة التي تعتمده الجامعه أشعره بأنه جزء من الجسم الطلابي وليس دخيلا علية.
عاد خليل إلى المقاعد الجامعية بعد ما يزيد عن 40 عاما من حصوله على شهادة الدراسة الثانوية،  وجلس يستمع بنهم الى ما فاته يكتب ويدون ويناقش حتى انطبق عليه وصف ابن حنبل لأحد تلامذته  حين أعجبته مثابرته وكتابته كل ما يُتَلَفظ به فقال مادحا " انت مثل الحفظة تكتب لفظ اللفظة". سعى خليل بخطى حثيثة وهمة عالية نحو التفوق مقتنعا بمؤهلاته ورافضا فكرة " بعد ما شاب ودوه الكتاب" وانكب بلحيته البيضاء على كتبة وأنهك جسده سهرا ودراسة متمثلا قول الامام مالك " لا يُنال العلم براحة الجسم" [2]   حتى أنه وبوقت قياسي استطاع أن يكمل  114 ساعة معتمدة في تخصص التربية الاسلامية .
  "أما كتب جامعة القدس المفتوحة  فقد كان لها دورا مميزا في تسهيل مسيرتي التعليمية "، يضيف خليل ، فتصميمها الخاص بالتعلم الذاتي، والذي يصفه خليل بأنه كالأستاذ يسير معك مع كل سطر تقرأه ، يشد من أزرك حين تكل، ويحادثك حين تمل، وتشعر بأمثلة الدرس المتنوعة وكأنها تشجعك على التقدّم، وكنت أتمثلها تخاطبني قائلة:  
قالت مسائل سحنون لقارئها ... بالكد تدرك منها كلما استترا
لا تحسبن المجد تمرا أنت آكله ... لن تدرك المجد حتى تلعق الصَّـبرا
لا يبلغ العلم بطال ولا كسِل ... ولا ملول ولا من يألف البشرا
وهكذا أنهى خليل حديثة ، مبتسما ومودعا.
وما قصة خليل إلا واحدة من عشرات القصص التي احتضنتها جامعة القدس المفتوحة تحت شعار العلم للجميع ، حيث ترعى طلابها صغيرهم وكبيرهم، تعلمهم شتى المعارف وتدرب العاملين منهم ليعملوا على زيادة الانتاج وتحسين ظروف حياتهم المعيشية والاقتصادية والاجتماعية.  فإذا كان التعليم في الصغر كالنقش بالحجر فانه بالكبر رسم بالعزيمة والإصرار والتحدي.


صورة  الطالب خليل
-----
شكر خاص للدكتورة رندة النجدي على مجهودها في ابراز هذه القصة واخرجها للعالم الخارجي لتكون عبرة للاجيال القادمة


1-    الأهداف العامة لجامعة القدس المفتوحة http://www.qou.edu/arabic/index.jsp?pageId=7
2-    صحيح مسلم.